دخلتُ إلى صالون الحلاقة في بلدتي النرويجية.
كان صاحب الصالون السوري مشغولاً بحلاقة رجل في الخمسين، وكان هناك صديقان نرويجيان ينتظران دورهما ويتحدثان عن كرة القدم الأوروبية. قال أحدهما لصاحبه: "أحب هذا الصالون؛ فالحلاق لا يتكلم وثمن الحلاقة معقول جداً."
يتبعثر الشعر في كل مكان من أرضية الصالون. تذكرتُ اليوم الذي أخبرني فيه الحلاق بأنه لا يقدم القهوة لزبائنه ولا يكلمهم، لأنه لا يريد أن يجذب الطبقة الراقية إلى محله.
وصل دوري بعد قرابة النصف ساعة، فالحلاق سريع جدًا ولا ينشغل عن عمله بالكلام.
رحب الحلاق بي حين جلستُ على الكرسي وسألني عن التسريحة التي أريدها، فأخبرته إنني كنت أفكر بقصة قصيرة جداً يستعمل فيها الماكينة ويقص الشعر بطول متساوٍ، لكنني قلق من تلك المغامرة.
قال: "لن أقص لك شعرك بهذه الطريقة لأنك قلق، لكن عليك أن تعرف بأن هذا الذي يريدك أن تقص شعرك بالماكينة صوت يستحق أن تسمعه."
سألته عن قصده... قال: "يتصور الناس بأن لديهم شخصية واحدة يحافظون عليها وهذا وهم، فلكل إنسان شخصيات كثيرة تتجسد في جسده وتخاطبه مطالبة إياه بأن يغير ولو قصة شعره، ولأننا قساة نقمع الأصوات التي تخاطبنا."
قال: "تصور إن هناك عشرة أشخاص في جسدك وأنت الدكتاتور الذي سيطر على الجميع ومنعهم من التعبير عن أنفسهم.. هذا أنت وهذا أنا وهذا كل منا."
التسميات
أدب