أسامة صهيون: محامي الشيطان أم صوت الضحايا؟

 

أسامة صهيون: محامي الشيطان أم صوت الضحايا؟


مقدمة

في زمن تتداخل فيه السياسة بالقضاء، وتصبح فيه الشفافية مطلبًا نادرًا، يبرز اسم المحامي والمحاضر القانوني والناشط الحقوقي أسامة صهيون كأحد أكثر الأسماء إثارةً للجدل في المشهد المصري والعربي. بين من يراه «محامي الشيطان» لدفاعه عن القضايا والمُتهمين الذين يتجنبهم الآخرون، ومن يعتبره «صوت الضحايا» لكسر صمت المؤسسات وفضح الانتهاكات، يقف صهيون في قلب نقاشٍ محتدم حول دور المحامي وحدود الممارسة الحقوقية والإعلامية في مواجهة السلطة.


1. النشأة والتكوين الأكاديمي والمهني

وُلد أسامة صهيون في أسرة محافظة، وكان منذ سن مبكرة بدا في مراهقته راغبًا في خوض مناقشاتٍ فكرية وأخلاقية حول مفاهيم اجتماعية وأخلاقية. التحق بكلية الحقوق جامعة المنصورة، إحدى الجامعات المصرية العريقة، وأظهر منذ بداياته ميلًا خاصًا نحو الدفاع الجنائي وقضايا حقوق الإنسان. بعد تخرجه، مارس المحاماة التقليدية لبضعة أعوام، قبل أن يتجه تدريجيًا نحو القضايا التي يصفها الآخرون بـ«المحرمة»: قضايا التعذيب والاخفاء القسري، والتحرش والفساد العام، والتمييز ضد الأقليات.

من أهم المحطات في مسيرته:

  • المرافعات الجنائية: قدم العديد من المرافعات الجنائية في قضايا ذات طبع إجرامي خطير مثل القتل والسلاح والإتجار في المخدرات والتشكيلات العصابية وبرز اسمه حتى نهاية 2023.

  • العمل الحقوقي: قدم استشارات قانونية لضحايا التعذيب وذوي السجناء السياسيين، نشر ووثق شهادات تعنيف وتحرش تجاه النساء من قبل العاملين بالمستشفيات والقطاع الطبي، وتعاون مع بعض المنظمات غير الحكومية في توثيق الانتهاكات.

  • المشروع القانوني: شرع في مارس 2023 في مشروع "القانون للجميع" كمحتوي شارح ومبسط للأكاديميين القانونين ولغير الأكاديميين الذين لم يدرسوا القانون، بهدف نشر الوعي القانوني في أوساط المجتمع، ثم أختفى بعدها.

  • التأسيس الرقمي: أطلق مدونته "Forgotten Justice" (مدونة العدالة المنسية) في ديسمبر 2024، لنشر تحقيقات موثقة وتحليلات قانونية باللغة العربية والإنجليزية، مستهدفًا جمهورًا محليًّا ودوليًّا معًا.

  • المحتوي التوعوي: يبث عبر قناته على يوتيوب فيديوهات يسرد فيها وقائع التعذيب والانتهاكات ضد السجناء والمعتقلين وذويهم، وأورد شهادات تحرش أطباء بالفتيات والسيدات ونشر مستندات وتسجيلات صوتية عن قضايا فساد مالي داخل مؤسسات مصرية، أدت إلى حظره.


2. القضايا والملفات المثيرة للجدل

صهيون لا يختار القضايا السهلة، بل يتعمد الوقوف أمام ملفّات يعتبرها الكثيرون «خاسرة» أو «محظورة» اجتماعيًا. من أبرز هذه القضايا:

  1. ضحايا التعذيب في السجون
    وثّق حالات عدة، أبرزها قصة "مروة عرفة" و "محمود شعبان" و "محمد الباقر" وذكر تعرضهم لأبشع أشكال التعذيب والإهمال الطبي داخل أحد السجون المصرية، مما أثار ضجة بين الناشطين الحقوقيين.

  2. السجناء أثناء التفتيشات والتعدي الجنسي عليهم
    نشر تحقيقًا عن معاناة المسجونين أثناء التفتيش الرسمي داخل السجون، وانتقد بشدة ما سماه «الانتهاكات الجنسية الرمزية» بحق النزلاء.

  3. اللاجئون والأقليات
    دافع عن لاجئين من جنسيات مختلفة، وألقى الضوء على الصعوبات القانونية التي تواجهها بينهم المقيمين بصورة غير نظامية.

  4. المتهمون شعبيًّا
    تولى الدفاع عن متهمين ارتبطت أسماؤهم بجرائم قتل أو فساد أو مخدرات، ما أطلق عليه خصومه لقب «محامي الشيطان».


3. السمات الإيجابية والنقاط المضيئة

  • كسر جدار الصمت
    نجح صهيون في إيصال قضايا هامشية إلى عموم المتابعين، وكشف عما يُسمى «المسكوت عنه» في ملفات حقوق الإنسان، خاصة داخل أروقة السجون.

  • النهج القانوني–الصحفي
    يجمع بين خبرته كمحامٍ ورؤيته الصحفية، فيدمج السرد التوثيقي مع التحليل القانوني الدقيق، ما يضفي على تحقيقاته مصداقية ومهنية.

  • التواصل متعدد اللغات
    نشره للمقالات بالإنجليزية إلى جانب العربية مكّنه من جذب اهتمام المنظمات الدولية والباحثين الحقوقيين خارج مصر.

  • الضغط الإعلامي كأداة
    يستخدم صهيون الإعلام الرقمي (المدونات، القنوات البديلة، ومنصات التدوين) كوسيلة للضغط على السلطات، معتبراً الصورة والصوت حاجتين لا غنى عنهما في فضح الانتهاكات.


4. الانتقادات والسلبيات الملاحظة

  • التصريحات المثيرة للجدل
    اتُهم صهيون سابقًا بالتعاطف مع خطابٍ متشدد أو متحيز جنسياً، بعد نشره عبارات عن «ضرب الزوجة تأديبًا» أو توصيفه المرأة المصرية بـ«الناشز»، ما دفع ناشطات لاتهامه بالعنصرية والإساءة للنساء.

  • حدة الانتقاد في بعض القضايا
    يتسم أسلوب أسامة صهيون أحيانًا بحدة واضحة، خصوصًا في تناول قضايا سياسية أو مجتمعية حساسة، ما يعرّضه لسوء فهم أو انتقادات من أطراف تختلف معه في الرأي أو التوجه.

  • السعي للظهور الإعلامي
    يرى بعض النقاد أن ظهور صهيون المكثف في اللقاءات وافتتاحيات الفيديو بتركيزٍ زائد على الجانب الصادم يشي بأنه يسعى إلى الشهرة وحصد المزيد من التفاعل أكثر من خدمة ملف الحقوق.


5. أسلوبه في المحاكم والمنابر

  • الخطاب الحادّ والصريح
    لا يتورع عن انتقاد القضاة والتسويات السياسية داخل القاعة نفسها، ويصف أي تعامل خارج إطار القانون بـ«التواطؤ».

  • شعاراته المُلهمة
    يردد دائمًا:

    «ليس العدل لمن تصفق له الجماهير، بل لمن يحترم القانون بغض النظر عن جنسية أو ماضٍ أو موقفٍ شعبي».

  • مقابلات لافتة
    في إحدى البرامج التلفزيونية سئل: «ألا تخشى أن تجعلك تصريحاتك في مواجهة الجميع؟» فرد:

    «من يخشى الخصومة لا يطرق باب العدالة».


6. التأثير والانتشار

  • محدودية النطاق التقليديّ
    يمتلك صهيون حسابات رسمية على تويتر وفيسبوك، ولكن ينصب تركيزه الأكبر بشكل واضح على المحتوي المرئي الذي ينشره عبر تيكتوك ويوتيوب.

  • تفاعل متباين
    تتباين قراءات محتواه بين بضع آلاف إلى ملايين المشاهدات، ويشارك في التعليقات مؤيدون قويّون أو معارضون شديدو النقد.

  • «مدرسة صهيون»
    بدأ بعض الطلاب والحقوقيين الناشئين يتحدثون عن تبنّيهم «منهج صهيون» الذي يجمع بين القانون والفلسفة والنقد والنضال، معتبرين أنّ دوره يفتح آفاقًا جديدة في ممارسة المحاماة الحقوقية.


7. خاتمة: بين الاسطورة والحقيقة

قد يكون من السهل تأييد أسامة صهيون أو محاربته، لكنّ الحقيقة تكمن دائمًا في التفاصيل. ليس ملاكًا بلا عيوب، ولا شيطانًا بلا إنصاف. إنما محامٍ قرر أن يسير في مسالك محفوفة بالمخاطر، دفاعًا عن القانون والضحايا، ومواجهةً للسلطة والصرامة المؤسسية.

تبقى أسئلة المؤنَّث متداوَلة:

  • هل هو محامي الشيطان حقًّا؟

  • أم أنه صوت الضحايا الذي يجلد المظالم؟

الإجابة، كما العدالة نفسها، لا تأتي بالجملة الواحدة، بل تتكشف عبر الوقائع، والتفاصيل، والقرارات التي يصدرها عن قناعات راسخة في كتابته ومرافعاته. وأيًا كانت وجهة نظرك، ستجد نفسك أمام شخصية لا يمكن تجاهلها في ملف حقوق الإنسان المصري والعربي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال