تعدد الزوجات بين الاجتهاد الفقهي وسنن الحياة



مقدمة

فتوى الإمام محمد عبده رحمه الله ليست حكمًا شرعيًا ثابتًا، بل هي اجتهاد فقهي قابل للنقاش، فالمجتهد يصيب ويخطئ، والفتوى تتغير بحسب الزمان والمكان والأحوال. ومع ذلك، هناك من يستند إلى فتواه لمنع تعدد الزوجات، ويزعم أن الإسلام يميل إلى الزواج الأحادي، لذا سنعرض نص فتواه كما جاءت، مع تعليق تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا.


نص الفتوى كما ورد عن الإمام محمد عبده

نشر الإمام محمد رشيد رضا في "المنار" فتوى أستاذه الشيخ محمد عبده، حيث جاءت في سياق الجدل حول تقييد تعدد الزوجات في مصر، وطرحت سؤالًا رئيسيًا:

هل يجوز تعدد الزوجات إذا غلبت مفسدته؟

وقد أجاب الإمام محمد عبده بثلاث نقاط رئيسية:

1. شرط العدل مفقود في الغالب: لا يصح اتخاذ استثناءات نادرة كقاعدة عامة، وإذا غلب الفساد في النفوس، وأصبح من المرجح ألا يعدل الرجال بين زوجاتهم، جاز للحاكم أو للعالم منع التعدد مراعاةً للأغلب.


2. سوء معاملة النساء عند التعدد: نظراً لانتشار الظلم والحرمان من الحقوق بين الزوجات، يجوز للحاكم أو القائم على الشرع منع التعدد للحد من الفساد.


3. العداوة بين الأبناء بسبب اختلاف الأمهات: حيث يؤدي التعدد أحيانًا إلى التناحر بين الأبناء، مما قد يهدد استقرار الأسرة، وبالتالي يجوز للحاكم أو صاحب الدين منع التعدد حمايةً للبيوت من الفساد.


تعليق الشيخ محمد رشيد رضا على الفتوى

يؤكد الشيخ محمد رشيد رضا أن هذه الفتوى تستند إلى قاعدة "جواز منع كل مباح ثبت ضرره"، كما تفعل الحكومات عند منع صيد بعض الطيور أو ذبح العجول عند الحاجة إليها في الزراعة. لكنه استثنى من المنع الحالات التي يكون فيها التعدد لغرض شرعي صحيح، مثل طلب النسل أو الضرورات الأخرى، والتي لا يمكن حصرها بعدد معين.

"هذه الضرورات لا يسهل حصرها في عدد معين" – محمد رشيد رضا


أحكام النكاح عند الفقهاء

أوضح الإمام ابن دقيق العيد في كتابه "الإلمام بأحاديث الأحكام" أن الفقهاء قسّموا النكاح إلى خمسة أحكام:

الوجوب: لمن يخشى الوقوع في الحرام ويملك القدرة على الزواج.

الندب: لمن يستطيع الزواج دون خوف من الفتنة.

الإباحة: لمن لا يوجد لديه دافع قوي للزواج أو لتركه.

الكراهة: لمن يخشى أن يخلّ بحقوق الزوجة.

التحريم: لمن يعلم أنه لن يؤدي واجباته الزوجية بشكل صحيح.


كما نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن المازري والقرطبي أن الزواج يصبح واجبًا لمن لا ينكفّ عن الزنا إلا به، بينما يكون محرمًا لمن لا يستطيع الوفاء بحقوق الزوجة.


التعدد بين الحكم الشرعي والواقع الاجتماعي

القول بمنع تعدد الزوجات اعتمادًا على قاعدة "منع المباح إذا ترجحت مفسدته" يطرح إشكالية: كيف تحدد الضرورة؟ فالتعدد قد يكون واجبًا للبعض، ومستحبًا للبعض الآخر، فهل يجوز منع ما هو واجب أو مستحب شرعًا؟


خاتمة: نظرة أوسع على تعدد الزوجات

تعدد الزوجات ليس استثناءً في التاريخ البشري، بل هو ظاهرة عرفتها المجتمعات منذ القدم، وهو أمر تؤكده الدراسات العلمية في علم النفس التطوري والأنثروبولوجيا. ولذا، فإن حصر المسألة في نطاق فقهي ضيق دون مراعاة السنن الكونية والاجتماعية قد يكون خروجًا عن الرؤية الشاملة للحياة الإنسانية.


للمزيد من التفاصيل والمراجع، يرجى الاطلاع على التعليقات أدناه:
https://www.facebook.com/102056852001074/posts/333743275499096/


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال