وهم المساواة بين الأزمنة: حين تُحرَّف الحقائق لتبرير الواقع



يبرّرون خروجهم إلى العمل بتجارة السيدة خديجة، بأنها كانت تاجرة، لكنهم يتناسون أن هذا الأمر كان قبل الإسلام، ويتجاهلون أنها وهبت نفسها ومالها وتجارتها لرسول الله بعد مجيء الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من كان يتاجر بمالها برفقة ميسرة (غلام خديجة). ويوهمونك بأنها كانت تخالط الرجال في تجارتها، بينما كانت خديجة رضي الله عنها توكّل الرجال مع غلمانها في تجارتها؛ فالتجارة في تلك الأيام كانت بالسفر الشاق ما بين الشام واليمن، وهذا عمل الرجال. وخديجة رضي الله عنها كانت عفيفة شريفة، لا تخالط الرجال، تقيّة في زمن البغاء.

وهم أنفسهم من يُنكرون التزاوج الفوقي باستدلالهم بقصة يوسف عليه السلام، لأنه كان فقيرًا، ويتناسون أنه كان أجمل خلق الله في خِلقته. وينكرون التزاوج الفوقي باستدلالهم بزواج النبي من خديجة، ويتناسون أن النبي عليه الصلاة والسلام كان القوي الأمين، جميلًا بأخلاقه وخلقته، فقد كان يحمل علامات النبوة، وكان في وجهه نور، وكان يُلقّب بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان مباركًا أينما حل وارتحل، وكانت بركته ظاهرة في تجارته بمال خديجة.

يتحدثون عن نساء الرسول ويستدلون بهن، ويستدلون بالرسول في زوجاته، وينسون أن رسول الله كان ملك البلاد، يعيش مع زوجاته في بيت مساحته بمقدار غرفة. لم تكن حياته مرفّهة، بل لم يكن بيته يحتوي على ما يعتبرونه أساسيات في هذا الزمن؛ يضعون معايير ليست من الدين، ويسمّونها حقوقًا وواجبات للزوج، بينما هم لا يفقهون صعوبة العيش في ذلك الزمن. يعتقدون أن لديهم مواسير تمدّ الماء، وثلاجة لحفظ الطعام الوفير، وأنهم يأكلون كل يوم، ويظنون أن لديهم فرنًا للطبخ وإشعال النار، وغسالة للملابس، ومكنسة كهربائية، ومغسلة للصحون. ويعتقدون أنهم كانوا يملكون كهرباء لتشغيل كل هذه الرفاهيات، ويظنون أن كل هذه الأمور أساسيات واجبة، بينما لا يعلمون أنهم كانوا يشعلون النار بأنفسهم، يطحنون الحب، ويحصدون الزرع، ويرعون المواشي، فلا يدركون صعوبة توفير الماء في ذلك الوقت، بل إن طبخ الطعام لم يكن بالسّهولة التي نراها في الزمن الحالي؛ فالحصول على الطعام لم يكن بهذه الوفرة.

زمن صعب، قاسٍ، ومتعب، ومع ذلك تراهم مؤمنين ومؤمنات. لكن الرفاهية وقود الكفر. سهولة هذا الزمن، وسهولة الوصول إلى ما تريد والحصول عليه، تمكّن العفيفة من ألا تقع في حديث أو نظر أو مكان به رجل قط في حياتها، بل هي قادرة على تجنّب مخالطة من ليسوا من محارمها؛ فهذا الزمن سهّل الاستتار والقرار في البيت. ومع ذلك، يحاولون جاهدين ويصرّون على المخالطة؛ خُرجات، وولوجات، وتسهيلات، رغم توفر البدائل والوسائل!

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال