مقدمة
بمعنى آخر، يرفض الشخص حقيقة واقعية أو علمية لأنها لا تتماشى مع قيمه الأخلاقية أو ما يراه صوابًا، ويستنتج أنها يجب ألا تكون صحيحة بناءً على ذلك.
الجذور التاريخية
ديفيد هيوم (1711-1776)، الفيلسوف الإسكتلندي البارز، لم يستخدم الاحتكام إلى الأخلاق (Moralistic Fallacy) بنفسه،
بل وضع الأساس الفكري لفهمها من خلال تمييزه الشهير بين "ما هو كائن" (Is) و "ما يجب أن يكون" (Ought) في كتابه "رسالة في الطبيعة البشرية" (1739-1740).
لاحظ هيوم أن الفلاسفة غالبًا ما ينتقلون من وصف الحقائق إلى استنتاج الأحكام الأخلاقية دون مبرر منطقي، وهو ما عُرف لاحقًا بـ "مشكلة هيوم".
وعلى عكس مغالطة الاحتكام إلى الأخلاق—التي تفترض أن الحقائق يجب أن تتوافق مع القيم الأخلاقية—كان هيوم ينتقد مثل هذه القفزات المنطقية، محذرًا من خلط المجالين.
بمعنى آخر، لم يقع هيوم في هذه المغالطة، بل ساهم في تسليط الضوء على المشكلة التي تطورت لاحقًا إلى مفهوم مغالطة الاحتكام إلى الأخلاق في الفلسفة الحديثة،
حيث يرفض البعض الحقائق العلمية لأنها لا تتماشى مع المثاليات الأخلاقية.
لذلك، فإن مغالطة الاحتكام إلى الأخلاق تقوم على الخلط بين "القيم" (ما نريد أن يكون) و "الحقائق" (ما هو موجود فعلًا).
إنها عكس مغالطة الطبيعة (Naturalistic Fallacy) التي تفترض أن ما هو موجود في الطبيعة يجب أن يكون أخلاقيًا أو مرغوبًا.
كيف تحدث هذه المغالطة؟
الشخص الذي يرتكب هذه المغالطة:
1. يبدأ بموقف أخلاقي أو مثالي (مثل: "هذا يجب أن يكون صحيحًا لأنه عادل").
2. يرفض أي دليل علمي أو واقعي يتعارض مع هذا الموقف، لأنه يراه "غير مقبول" أخلاقيًا.
3. يستنتج أن الحقيقة يجب أن تتوافق مع قيمه، بدلًا من تقبل الواقع كما هو.
أمثلة لتوضيح المغالطة
مثال (1):
الحقيقة العلمية: "البشر لديهم ميل غريزي للعنف في بعض السياقات."
الرد المغالط: "لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا، لأن العنف ضد الأخلاق والإنسانية، لذا البشر ليسوا عنيفين بطبيعتهم."
الخطأ: رفض الحقيقة العلمية لأنها لا تتماشى مع المثالية الأخلاقية.
مثال (2):
الحقيقة: "الحيوانات آكلة اللحوم تقتل فرائسها لتبقى على قيد الحياة."
الرد المغالط: "هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا، لأن القتل ظلم، والطبيعة يجب أن تكون عادلة."
الخطأ: افتراض أن الطبيعة يجب أن تكون عادلة بناءً على قيم أخلاقية بشرية.
مثال (3):
الحقيقة: "الفقر موجود في كل المجتمعات تقريبًا."
الرد المغالط: "هذا غير صحيح، لأن العالم يجب أن يكون عادلًا ولا يسمح بالفقر."
الخطأ: رفض الواقع لأنه لا يتماشى مع المثالية.
لماذا هي مغالطة؟
لأن الحقائق العلمية أو الواقعية لا تعتمد على ما نتمناه أو نراه أخلاقيًا؛ فالعالم "كما هو" (Is) لا يتغير بناءً على ما "يجب أن يكون" (Ought).
الاحتكام إلى الأخلاق هنا لا يغير الحقيقة، بل يعكس رغبة شخصية أو تحيزًا عاطفيًا، وليس حجة منطقية.
الفرق بينها وبين مغالطة الطبيعة
مغالطة الطبيعة: "القتل موجود في الطبيعة، إذًا هو أخلاقي." (استنتاج القيم من الحقائق).
مغالطة الواجب: "القتل غير أخلاقي، إذًا لا يمكن أن يكون موجودًا في الطبيعة." (استنتاج الحقائق من القيم).
متى لا تكون مغالطة؟
إذا كان النقاش عن قضية أخلاقية بحتة (مثل: "هل يجب مساعدة الفقراء؟")، فـ الاحتكام إلى الأخلاق ليس مغالطة، لأن الموضوع نفسه يتعلق بالقيم وليس بالحقائق الواقعية.
الخلاصة
مغالطة الواجب تحدث عندما يُرفض الواقع أو العلم لأنه لا يتماشى مع الأخلاق أو المثاليات.
بدلًا من تقبل الحقيقة ومناقشة القيم بشكل منفصل، هي خطأ منطقي لأنها تعكس رغبة وليس تحليلًا عقلانيًا.
لذلك، الدرويش عنده دائمًا إجابات متضادة، وعشان يجهدك في الحوار يهرب إلى التلاعب بالألفاظ.