"إذا مات الله فكل شيء مباح."
هذه جملة شهيرة قالها ديستويفسكي في "الأخوة الأعداء"، وكثير من الناس يعتقدون أنها جملة إلحادية، في حين أنها قمة الإيمان، لكن هذا يحتاج إلى توضيح قليل.
هنا المفكر يريدنا أن نؤمن بأن الله هو الكابح الوحيد لرغباتنا الشريرة، فلولا الخوف من الحساب والعقاب والثعبان الأقرع، لولا هذا الخوف، لارتكب الإنسان كل الموبقات من القتل والسرقة والزنا وانتهاك المحارم والمحرمات. ولكن هل هذا صحيح بالفعل؟
الحقيقة، نفس المعنى قاله لي نجيب محفوظ شخصياً، عندما قال لي: العلم سيقتل الإله، لكن سنضطر لخلقه من جديد لأن الرعاع هم الأغلبية العددية في الكون، والرعاع لا يخافون من شيء أكثر من خوفهم من عقاب السماء، ولولا الله لدمروا الكون بشرورهم.
الفكرة منطقية جداً لو نظرنا إليها من وجهة نظر نيتشه والإنسان السوبرمان. نيتشه يرى أن غالبية البشر يطبقون الفضيلة المزيفة خوفاً من عقاب السماء وخوفاً من مواجهة الكثرة العددية. الشريف فقط هو من يحمل بداخله ضميراً خلقياً لا يسعى للمنفعة، بل يطبق ما يرتاح له ضميره الخلقي مهما كلفه من تضحيات وامتنع بسببه عن إشباع رغباته.
الشريف فقط هو الذي يستحق التمجيد الأخلاقي في الدنيا، لأن الزهد فيما تملك وليس فيما لا تملك كما قال الإمام علي. يعني يبقى أمامك إشباع رغباتك، لكن ترفض لأن ضميرك غير مستريح، وليس لأنك خائف من السماء.
وللأسف أو لحسن الحظ يا إخواننا، الشرفاء في الكون نادرون للغاية، إلى حد أنك قد لا تراهم بالعين المجردة وسط طوفان من الرعاع الزائدين عن الحاجة كالزائدة الدودية في الجسم البشري.
ورغم ذلك: المجد والخلود للشرفاء!!!
ڤولتير أيضًا قال: "لو لم يكن هناك إله لأوجدنا إله."
إذا لم يكن الله موجودًا فكل شيء مباح، من أصغر الذنوب حتى أكبر الكبائر.
بالضبط، وهذه هي الحكمة من وجود جنة ونار رغم تهكم البعض عليها. لا يردع العوام والرعاع إلا شيء مادي يجدون فيه أحلامهم مثل الجنة أو يخافون منه ويكون رادعًا مثل النار. أما الشرفاء الذين لا يسعون لمنفعة شخصية وإنما غرضهم الإنسانية، فقال لهم: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى."
المجد للشرفاء ولا عزاء للرعاع. هذه فكرتي منذ زمن، لكن حضرتك أبرزتها بشكل أدبي عالٍ.