لم أكن أستطيع بطبيعة الحال أن أحتمل علاقات الصداقة مع زملائي زمناً طويلاً. فسرعان ما كنا نفترق افتراقاً عاصفاً، حتى لقد كنت أكفّ عن تحيتهم -وتلك ثمرة من ثمرات قلة خبرتي ونقص تجربتي- فإذا بكل شيء بيننا ينتهي! على أن هذا لم يحدث لي إلا مرة واحدة، لأنني كنتُ متوحداً على الدوام.
وفي بيتي كنت أعكف على القراءة أكثر الوقت. وبذلك كنت أحاول أن أطفئ بالتأثرات الخارجية ما كان يغلي في نفسي بغير انقطاع. والتأثيرات الخارجية الوحيدة التي كنت أملك الحصول عليها إنما تأتيني من القراءة، فكانت هذه التأثيرات تساعدني كثيراً والحق يُقال: فهي تهز نفسي، وتسري عني، وتعذَّبني.
ولكنني كنت أصل إلى لحظة أتعب فيها منها، وأشعر بالحاجة إلى أن أعمل فكنت أغرق عندئذ في مجون صغير قذر مراءٍ متخفٍّ. كان حنقي المتصل وغيظي المستمر يجعلان أهوائي جامحة حارّة واخزة. وكانت اندفاعاتي المحمومة تؤدي بي إلى نوبات عصبية تصاحبها دموع وتشنجات.
لا شيء حولي يستطيع أن يفرض عليَّ احتراماً له وأن يجذبني إليه. كان قلق غامض يجتاج نفسي ويغرقني في لججه. كنت أشعر بظمأ هستيري إلى التناقضات والتعارضات والتضاربات، فكنت ألقي بنفسي إلى الفسق والمجون.
— دوستويفسكي.