تسعدنا تبليغاتكم

سألني صديق مخلص: لماذا تتعمد كل فترة وبشكل استفزازي أن تنشر ما يستوجب حظرك على الفيسبوك وهناك من ينتظرون منشوراتك الجادة عن قضايا أو أحداث جارية ؟

قلت له لسببين؛ أولهما أنني لابد بين الحين والآخر أن أجبر نفسي على عدم الاعتماد على الفيسبوك كوسيلة حياتية لا يمكنني الاستغناء عنها، حتى لا أصبح أداة في يد من يساومني على ارتباطي بسلعته التي لا تنفعني بأي شيء بقدر ما يجني هو الكثير من ورائها، ومعظم القدامى هنا يعلمون جيداً أنني توقفت منذ فترة طويلة عن الأحاديث الجادة إلا فيما ندَّر وتفرغت للتفاهة والسطحية التي تليق بمثل هذا الماخور الإمبريالي وبمرتاديه من العبيد المسيّسة.

والسبب الثاني والأهم هو شعوري الغريب باللذة عندما أرى أن هناك ملايين من النعاج التي لا تعي أن تبليغاتها عن منشورات الآخرين هي إهانة لهم وليس للآخرين، فأنا لم أقم أبداً بالإبلاغ عن أي منشور طوال أعوام قضيتها على الفيسبوك، مهما كان محتوى المنشور ومهما كنت مختلفاً معه أو مع صاحبه، لا لشيء إلا لأنني لا أسمح لنفسي أبداً بأن أكون مرشداً حقيراً لدى جهاز شرطة هذا الماخور الذي يكيل بألف مكيال ويتّبع سياسات ترويض وإخضاع البشر على الطريقة الأمريكية المنحطة التي تهواها قطعان المازوخ البشري وتتفاخر بها، الطريقة الأمريكية التي تتخفى وراء المثالية وحقوق الإنسان والحيوان والنبات والجماد..

فأنت مثلاً لا تستطيع أن تفهم لماذا تختلف معايير الحريات داخل كل موقع أمريكي عن مثيله، فعلى سبيل المثال يمكنك أن تجد كل ما هو مباح وغير مباح على موقع البحث جوجل وكأنك تعيش في غابات بشرية مفتوحة، بينما تدخل الفيسبوك كتلميذ في حضانة أطفال يجب تهذيبه وتقليم أظافره عندما يستدعي الأمر ذلك، فلا أحد يعلم لماذا يمكنك مشاهدة البورن على جوجل ولا يمكنك نشر صورة لامرأة عارية الصدر على الفيسبوك حتى لو كانت مجرد تمثال أو عمل فني طالما كانت (حلمات) الثدي مكشوفة؟! رغم أن المحتوى في كلا الموقعين يصل إلى نفس الأشخاص ونفس الفئات العمرية، إذن فمعيار الحريات هنا يتم بناء على رغبة صاحب المحل وعلى أساس مصالح الشركات الراعية وليس لأي سبب آخر.

لذلك فالحظر على هذا الماخور لا يغيّر أفكاراً ولا يضر أحداً طالما كان حظراً عن النشر على مواقع افتراضية لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تفيد أمثالنا نحن بأي شيء طالما كنا لا نتاجر بقضايا الآخرين ولا نبحث عن سبوبات الفيسبوك كمصادر للدخل كغيرنا، بل بالعكس فأنا وغيري قد نقتص من أوقاتنا كي نكتب مقالاً توعوياً أو سياسياً لا يعود علينا بالنفع بأي شكل من الأشكال بقدر ما ينفع هذا الماخور والقائمين عليه.

وليعلم كل مبلّغ أنه لا يمتلك من الاعتزاز بالنفس أن يذكر اسمه في بلاغه، ما يجعله يشعر بفداحة أن يتم استخدامه كمخبر مجاني حقير يعمل لدى من يجنون مليارات الدولارات بفضله هو وغيره دون أن يجني هو أي شيء سوى بعض اللايكات المجانية الزائفة التي بُنيت فكرتها الشيطانية على أساس استغلال شعور الفاشلين في حياتهم العملية بلذة تحقيق النجاح الزائف على المواقع الافتراضية.

فأنت تقوم بالتبليغ عن منشور غيرك لا لشيء إلا لأنه لم يتفق مع قناعاتك، وغيرك يقوم بالتبليغ عن منشورك لنفس السبب أيضاً، بينما "مارك" وشركاته ومعلنيه يجنون من وراء حروب البهائم ثروات تفوق ميزانيات دولهم مجتمعة.

#تسعدنا_تبليغاتكم

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال